الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عطية: سورة القدر:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر (1)}الضمير في {أنزلناه} للقرآن وإن لم يتقدم ذكره لدلالة المعنى عليه، فقال ابن عباس وغيره: أنزله الله تعالى: {ليلة القدر} إلى السماء الدنيا جملة، ثم نجمه على محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وقال الشعبي وغيره: {إنا} ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك {في ليلة القدر}، وقد روي أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان، فيستقيم هذا التأويل وقد روي أنه قد نزل في الرابع عشر من رمضان، فلا يستقيم هذا التأويل إلا على قول من يقول إن ليلة القدر تستدير الشهر كله ولا تختص بالعشر الأواخر، وهو قول ضعيف، حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرده في قوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان» وقال جماعة من المتأولين معنى قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفي فضلها، وإذا كانت السورة من القرآن جاء الضمير للقرآن تفخيمًا وتحسينًا، فقوله تعالى: {في ليلة} هو قول عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن ينزل في قرآن ليلة نزول سورة الفتح، ونحو قول عائشة في حديث الإفك: لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن، و{ليلة القدر}: هي ليلة خصها الله تعالى بفضل عظيم وجعلها أفضل {من ألف شهر}، لا ليلة قدر فيها، وقاله مجاهد وغيره، وخصت هذه الأمة بهذه الفضيلة لما رأى محمد عليه السلام أعمال أمته فتقاصرها، وقوله تعالى: {وما أدراك ما ليلة القدر} ليلة القدر عبارة عن تفخيم لها، ثم أدراه تعالى بعد قوله: {ليلة القدر خير}، قال ابن عيينة في صحيح البخاري ما كان في القرآن: {وما أدراك} فقد أعلمه، وما قال: {وما يدريك} فإنه لم يعلم، وذكر ابن عباس وقتادة وغيره: أنها سميت ليلة القدر، لأن الله تعالى يقدر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العالم كلها ويدفع ذلك إلى الملائكة لتمتثله، وقد روي مثل هذا في ليلة النصف من شعبان، ولهذا ظواهر من كتاب الله عز وجل على نحو قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4]، وأما الصحة المقطوع بها فغير موجودة، وقال الزهري معناه: ليلة القدر العظيم والشرف الشأن، من قولك: رجل له قدر، وقال أبو بكر الوراق: سميت ليلة القدر لأنها تسب من أحياها قدرًا عظيمًا لم يكن من قبل، وترده عظيمًا عند الله تعالى، وقيل سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر خطير، وليلة القدر مستديرة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعول عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة إلى آخر الشهر، لأن الأوتار مع كمال الشهر، ليست الأوتار مع نقصانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثالثة تبقى الخامسة تبقى، السابعة تبقى»، وقال: «التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة»، وقال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، وقال ابن حبيب: يريد مالك إذا كان الشهر ناقصًا، فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال شهر ونقصانه، وهذا لا تتحصل معه الليلة إلا بعمارة العشر كله، وروي عن أبي حنيفة وقوم: أن ليلة القدر رفعت، وهذا قول مردود، وإنما رفع تعيينها، وقال ابن مسعود: من يقم السنة كلها يصبها، وقال أبو رزين هي أول ليلة من شهر رمضان، وقال الحسن: هي ليلة سبع عشرة، وهي التي كانت في صبيحتها وقعة بدر، وقال كثير من العلماء: هي ليلة ثلاثة وعشرين، وهي رواية عبد الله بن أنيس الجهني، وقاله ابن عباس، وقال أيضًا وهو وجماعة من الصحابة: هي ليلة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس على قوله بأن الإنسان خلق من سبع وجعل رزقه في سبع، واستحسن ذلك عمر رضي الله عنه، وقال زيد بن ثابت وبلال: هي ليلة أربع عشرين، وقال بعض العلماء: أخفاها الله تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، ثم عظم تعالى أمر ليلة القدر على نحو قوله: {وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 2] وغير ذلك، ثم أخبر أنها أفضل لمن عمل فيها عملًا {من ألف شهر}، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام وثلث عام. وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال حين عوتب في تسليمه الأمر لمعاوية: إن الله تعالى أرى نبيه في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فاهتم لذلك فأعطاه الله ليلة القدر، وهي خير من مدة ملك بني أمية، وأعلمه أنهم يملكون الناس هذا القدر من الزمان.قال القاضي أبو محمد: ثم كشف الغيب أن كان من سنة الجماعة إلى قتل مروان الجعدي هذا القدر من الزمان بعينه مع أن القول يعارضه أنه قد ملك بنو أمية في غرب الأرض مدة غير هذه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» و{الروح} هو جبريل وقيل: هم صنف حفظة الملائكة وقوله تعالى: {بإذن ربهم من كل أمر} اختلف الناس في معناه، فمن قال إن في هذه الليلة تقدر الأمور للملائكة قال: إن هذا التنزل لذلك، و{من} لابتداء الغاية أي نزولهم من أجل هذه الأمور المقدرة وسببها، ويحيء {سلام} خبرًا بنداء مستأنفًا أي سلام هذه الليلة إلى أول يومها، وهذا قول نافع المقرئ والفراء وأبي العالية، وقال بعضهم {من} بمعنى الباء أي بكل أمر، ومن لم يقل بقدر الأمور في تلك الليلة قال معنى الآية: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم} بالرحمة والغفران والفواضل، ثم جعل قوله: {من كل أمر} متعلقا بقوله: {سلام هي} أي من كل مخوف ينبغي أن يسلم منه فهي سلام، وقال مجاهد: لا يصيب أحدا فيها داء، وقال الشعبي ومنصور: {سلام} بمعنى التحية أي تسلم الملائكة على المؤمنين.وقرأ ابن عباس وعكرمة والكلبي: {من كل امرئ} أي يسلم فيها من كل امرئ سوء، فهذا على أن سلامًا بمعنى سلامة، وروي عنه أن سلامًا بمعنى تحية، {وكل امرئ} يراد بهم الملائكة أي من كل ملك تحية على المؤمنين، وهذا للعاملين فيها بالعبادة، وذهب من يقول بانتهاء الكلام في قوله: {سلام} إلى أن قوله: {هي} إنما هذا إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين من الشهر، إذ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات السورة، وذكر هذا الغرض ابن بكير وأبو بكر الوراق والنقاش عن ابن عباس.وقرأ جمهور السبعة: {حتى مطلَع الفجر} بفتح اللام.وقرأ الكسائي والأعمش وأبو رجاء وابن محيصن وطلحة: {حتى مطلِع} بكسر اللام، فقيل هما بمعنى مصدران في لغة بني تميم، وقيل الفتح المصدر والكسر موضع الطلوع عند أهل الحجاز، والقراءة بالتفح أوجه على هذا القول، والأخرى تتخرج على تجوز كان الوقت ينحصر في ذلك الموضع ويتم فيه، ويتجه الكسر على وجه آخر، وهو أنه قد شذ من هذه المصادر ما كسر كالمعجزة، وقولهم علاه المكبر بفتح الميم وكسر الباء، ومنه المحيض فيجري المطلع مصدرًا مجرى ما شذ، وفي حرف أبيّ بن كعب رضي الله عنه: {سلام هي إلى مطلع الفجر}. اهـ..قال ابن الجوزي: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر (1)}قوله تعالى: {إنا أنزلناه} يعني: القرآن {في ليلة القدر} وذلك أنه أنزل جملةً في تلك الليلة إلى بيت العِزَّة، وهو بيت في السماء الدنيا.وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا.والهاء في {إنا أنزلناه} كناية عن غير مذكور.وقال الزجاج: قد جرى ذكره في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3].فأما {ليلة القدر} ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال.أحدها: أن القَدْرَ: العظمةُ، من قولك: لفلان قَدْر، قاله الزهري.ويشهد له قوله تعالى: {وما قَدَرُوا الله حق قَدْرِه} [الأنعام: 91] و[الزمر: 67].والثاني: أنه من الضيق، أي: هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون، قاله الخليل بن أحمد، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُه} [الطلاق: 7].والثالث: أن القَدْرَ: الحُكم كأن الأشياء تقَدَّرُ فيها، قاله ابن قتيبة.والرابع: لأن من لم يكن له قَدْر صار بمراعاتها ذَا قَدْر، قاله أبو بكر الورَّاق.والخامس: لأنه نزل فيها كتاب ذُو قَدر، وتنزل فيها رحمة ذات قَدْر، وملائكةٌ ذوُو قَدْر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.فصل:واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية، أم كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؟ والصحيح بقاؤها.وهل هي في جميع السنة، أم في رمضان؟فيه قولان.أحدهما: في رمضان، قاله الجمهور.والثاني: في جميع السنة، قاله ابن مسعود.واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض؟ على قولين:أحدهما: أنها في العشر الأواخر، قاله الجمهور، وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه.وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعةٍ تبقى، أو سابعة تبقى، أو في خامسة تبقى» وفي حديث أبي بَكْرَة قال: ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاَ في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: «التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة».والقول.الثاني: أنها في جميع رمضان، قاله الحسن البصري.واختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع؟ على قولين.أحدهما: أنها تختص الأفراد، قاله الجمهور.والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه.وقد أخرج البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها».والثاني: أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر، قاله الحسن.وروي عن الحسن ومالك بن أنس قالا: هي ليلة ثماني عشرة.واختلف القائلون بأنها في الأفراد في أخص الليالي بها على خمسة أقوال.أحدها: أن الأخص بها ليلة إحدى وعشرين.فروى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسط، واعتكفنا معه، فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع، ورجعنا معه، وأُرِيَ ليلة القدر، ثم أُنسيها، فقال: «إني رأيتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتها وأُراني أسجد في ماء وطين، فمن اعتكف فليرجع إلى مُعتَكفه، وهاجت علينا السماء آخر تلك العشية، وكان سَقْفُ المسجد عريشًا من جريد، فوكف المسجد فوالذي هو أكرمه، وأنزل عليه الكتاب لَرَأَيْتُه يصلي، بدأ المغرب ليلة إحدى وعشرين، وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين» وهذا مذهب الشافعي.والثاني: أن الأخص بها ليلة ثلاث وعشرين.روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة ثلاث وعشرين. اطلبوها الليلة».وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئًا فليقم ليلة ثلاث وعشرين».وروى مسلم في أفراده من حديث عبد الله بن أُنَيْس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُرِيتُ ليلة القدر ثم أُنسيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجد في ماء وطين. قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه» قال: وكان عبد الله بن أُنَيْس يقول ليلة ثلاث وعشرين.والثالث: ليلة خمس وعشرين، روى هذا المعنى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.والرابع: ليلة سبع وعشرين، روى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان متحريًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين، يعني: ليلة القدر، وهذا مذهب على وأُبَيِّ بن كعب.وكان أُبَيٌّ يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، وبه قال ابن عباس، وعائشة، ومعاوية، واختاره أحمد رضي الله عنه.وروي عن ابن عباس: أنه استدل على ذلك بشيئين.أحدهما: أنه قال: إن الله تعالى خلق الإنسان على سبعة أصناف، يشير إلى قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} [المؤمنين: 12] الآيات.ثم جعل رزقه في سبعة أصناف يشير إلى قوله تعالى: {أنا صببنا الماء صبًا} [عبس: 25] ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام، وجعل السموات سبعًا، والأرضين سبعًا، والمثاني سبعًا، فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة وعشرين.والثاني: أنه قال: قوله تعالى: {سلام} هي الكلمة السابعة والعشرون، فدل على أنها كذلك.واحتج بعضهم فقال: ليلة القدر كُرِّرت في هذه السورة ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، والتسعة إذا كُرِّرت ثلاثًا فهي سبع وعشرون، وهذا تنبيه على ذلك.والقول الخامس: أن الأولى طلبها في أول ليلة من رمضان، قاله أبو رزين العقيلي.وروى أيوب عن أبي قُلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر.فأما الحكمة في إخفائها فليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان طَمَعًا منهم في إدراكها، كما أخفى ساعة الجمعة، وساعة الليل، واسمه الأعظم، والصلاة الوسطى، والوليُّ في الناس.قوله تعالى: {وما أدراك ما ليلة القدر} هذا على سبيل التعظيم والتشوق إلى خيرها.قوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} قال مجاهد: قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر وصيامها ليس فيها ليلة القدر، وهذا قول قتادة، واختيار الفراء، وابن قتيبة، والزجاج، وروى عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ له رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنَّى أن يكون ذلك في أمته، فأعطاه الله ليلة القدر، وقال هي خير من ألف شهر التي حمل فيها الاسرائيلي السلاح في سبيل الله.وذكر بعض المفسرين أنه كان الرجل فيما مضى لا يستحق أن يقال له: عابد حتى يعبد الله ألف شهر كانوا يعبدون فيها.قوله تعالى: {تنزَّل الملائكة} قال أبو هريرة: الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.وفي الروح ثلاثة أقوال.أحدها: أنه جبريل، قاله الأكثرون.وفي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلُّون ويسلِّمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل».والثاني: أن الروح: طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، قاله كعب، ومقاتل بن حيان.والثالث: أنه ملَك عظيم يفي بخلق من الملائكة، قاله الواقدي.قوله تعالى: {فيها} أي: في ليلة القدر {بإذن ربهم} أي: بما أمر به وقضاه {من كل أمر} قال ابن قتيبة: أي: بكل أمر.قال المفسرون: يتنزَّلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة إلى قابل.وقرأ ابن عمر، وابن عباس، وأبو العالية، وأبو عمران الجوني {من كل امرئ} بكسر الراء وبعدها همزة مكسورة منوَّنة، وبوصل اللام من غير همز، ولهذه القراءة وجهان.أحدهما: من كل مَلَك سلام.والثاني: أن تكون (من) بمعنى (على) تقديره: على كل أمر من المسلمين سلام من الملائكة، كقوله تعالى: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا} [الأنبياء: 77] والقراءة الموافقة لخط المصحف هي الصواب.ويكون تمام الكلام عند قوله تعالى: {من كل أمر} ثم ابتدأ فقال تعالى: {سلام هي} أي: ليلة القدر سلام.وفي معنى السلام قولان.أحدهما: أنه لا يحدث فيها داءٌ، ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد.والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة.وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سلام} على معنى تنزَّل الملائكة بالسلام.قوله تعالى: {حتى مطلع الفجر} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة {مطلَع} بفتح اللام.وقرأ الكسائي بكسرها.قال الفراء: والفتح أقوى في قياس العربية، لأن المطلَع بالفتح: الطلوع، وبالكسر: الموضع الذي يطلع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلِعًا، بالكسر، وهم يريدون المصدر، كما تقول: أكرمتك كرامة، فتجتزئِ بالاسم عن المصدر.وقد شرحنا هذا المعنى في (الكهف) عند قوله تعالى: {مطلع الشمس} [آية: 9] شرحًا كافيًا، ولله الحمد. اهـ.
|